الخميس، 23 ديسمبر 2010

من خزانة الخيالة العاجية (1)

مكاشفات نثرية عن وقائع حدثت كما أراكم

1** عن الخدعة التي إذا عرفتم تفسيرا لها فأرجوكم أبلغوني به ..

-1-

طَوَّفْتُ بِالأَرَاضِينِ السَّبْعِ مُنْصَعِقًا .. وَسَأَلتُ حَكِيمَ كُلِّ أَرْضٍ عَنْ سِرِّ مَا يَحْدُثُ لِي .. قَالَ الأَطِبَّةُ:

- حَقَائِقٌ هِيَ مَا تَرَى ..!!

قُلْتُ لَـهُـمْ:

- لَكَنَّنِي قَرَأْتُ صُحُفَ الصَّبَاحِ وَالمَسَاءِ .. وَفَحَصْتُ مَوَاقِعَ الأَخْبَارِ .. وَ تَابَعْتُ كُلَّ البَرَامِجِ الإِخْبـَارِيـَّةِ ِ.. وَسَألَتُ عَنْهُ أَهْلَهُ وَ أَصْدِقَاءَهُ .. فَقِيلَ لِي بِأَنَّ يَدَ الغَارَاتِ الشُّتْويَِةِ قَدْ قَتَلَتْهُ ..

قَالَ الأَطِبَّةُ :

- بِمَا أَنَّ تَقْرِيرَ المَعْمَلِ أَثْبَتَ أَنَّ الصَّوْتَ الَّذِي يُحَدثُكَ عَبْرَ الهَاتفِ الخَلَويِّ يَحْمِلُ نَفْسَ بَصَمَاتِ صَوْتِ القَتِيلِ المُسَجَّلَةِ عِنْدَكَ .. وَبِمَا أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي نَرَاهُ الآنَ عَلَى شَاشَةِ الحَاسُوبِ وَالَّذِي نُحَاوِرَهُ عَبْرَ المِرْسَالِ الالِكْتِرُونِي هُوَ نـَفْسَهُ مَنْ قِيلَ بِـأَنــَّهَُ قُتِلَ .. فَإِنَّنَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُجْزِمَ بِوُجُودِ خُدْعَةٍ مَا .. فَالـحُـرُوبُ مَلِيئَةُ بِالـخُدَعِ أَمَّا أَنـــْتَ فَإِنــَّكَ سَلِيمٌ مِنَ النَّاحِيَةِ العَقْلِيَّةِ وَلا تُوجَدُ عِنْدَكَ أَعْرَاضٌ للِْهَلْوَسِةِ أَو الانـــْفِصَامِ ..قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِينَا ..!!

وَلـَمـَّا لمَ ْ أَسْتَطِعْ مُنَاقَشَةَ فَتْوَى الـحُكَمَاءِ السَّبْعَةِ ..خَرَجْتُ مِنْ مَجْمَعِهِمْ مَشْدُوهًا .. وَتــَدَاعَتْ أَمَامِي صُوَرِي مَعَهُ .. رَأَيـْتُنِي مُنْذُ ثَمَانِيَةِ أَعْوَام ٍ أَرْنــَبــًا يـَـقْـفِزُ فَوْقَ العُشْبِ بـَاحِثاً عَنْ حِكْمَةٍ وَعَنْ رَفِيق ٍ .. وَلأنَّـنِي لـَمْ أَكُنْ كَكُلِّ الأرَانِبِ لـَمْ تَرُقْ لِيَ حِكْمَتــُهُمْ وَلَمْ أَخْتَرْ مِنْهُمْ رَفِيقًا .. وَاتــَّجَهْتُ وَحْدِيَ إِلى رحابِ العنكبوتيةِ مُوَجَّهًا المرسَالَ الإلكتروني صَوْبَ مَغَارِةِ الدَّهْشَةِ مُتَسَلحًا بِأَحْرُفِي السرِّيـَـةِ..قُلْتُ : افْتَحْ يَا (سِمْسِمْ )..

قِيلَ : ادْخُلْ .. وَهَا أَنــَا أَرْنــَب ٌ يَـقْفِزُ فَوْقَ المُوَيـْجَـاتِ الهلاميةِ ..

- ( يَا أَرْنبَِي البَوَّاسَ الـجَمِيلَ َ لِي تَعَالَ ..) هَكَذَا قَالَتْ لِي أَرْنَبَة ٌ طَرُوب ٌ ..

- (يَا صَيْدَي الأغْلَى عِنْدِي جَزَر ٌ شَهِيٌّ ..) هَكَذَا قَالَ ِلي ذِئــــْبُ الشَّمَالِ ..

وَلــمْ أَخَفْ وَسِرْتُ وَسُرِرْتُ بِمَا رَأَيـْتُ وَأَعَدتُّ التَّجْرُبَةَ ُكلَّ يَوْمٍ مُتَلَذِّذًًا .. إِلَى أَنْ وَجَدتُّ ذَاتَ يَوْم ٍ غُبَارًا كَثِيفًا تَقَدَّمْتُ َنحْوَهُ .. هُنَالِكَ سَمِعْتُ الصَّلْصَلَةَ فَنَادَيـْتُ

( أَيــُّهَا النَّاسُ .. يَا .. أَيــَا ..) ..

فَخَرَجَ لِمُلاقَاتِي كَانَ أَسَدًا وَكُنــْتُ أَرْنَبــًا ..مَدَّ مَخَالِبَهُ مُصَافِحًا فَصَافَحْتــُهُ ..سَألَنَِي :

- مِنْ أَيِّ الأَمْصَارِ أَنــــْتَ ..؟؟

- مِنَ المَنْصُورَةِ بِمِصْرَالمحروسةِ.. وَأَنـــْتَ مَنْ تَكُونُ ؟؟

- اسْمِي صَلاحٌ وَيـُلَقِبُونَنِي هُنَا فِي خَانِ يُونُسَ بِالنَّاصِرِ .. وَأَنــْتَ مَنْ تَكُونُ ؟؟

-اسْمِي مَحْمُود ٌ ..( وَاخْتَرَعْتُ عَلَى الفَوْرِ لِي لَقَبــًا وَقُلــْتُ مُتَابِعًا ) .. وَيــُلَقِبُونَّنِي فِي قَرْيــَتِي بِالـمُـظَفَّرِ ..!!

جذبني مِنْ يَدِي وَقَالَ لِي :

نَحْتَاجُكَ مَعَنَا أَيـُّهَا الأَمِيرُ الـمُظَفَّرُ ..

قُلــْتُ : وَيْ .. إِنَّنَي أَرْنــَب ٌ وَأَنـــْتُمْ آسَاد ٌ ..!!

أَخْرَجَ مِنْ حَقِيبِتِهِ مِرْآة ً وَ أَمَرَنِي بِالنَّظَرِ فَنَظَرْتُ فَرَأَيــْتُ أَسَدًا ِلي يَنْظُرُ ..قَالَ : ازْأَرْ ..

فَزَأَرْتُ .. وَامْتَطَيْنَا جَوَادَيــْنَا وَانْطَلَقْنَا .. صَاحَ فِي رِفَاقِهِ :

- هَاهُوَ الأَمِيرُ الـمِـصْرِيُّ الـمُظَفَّرُ .. مِنَّا وَإِلَـيــْـنَا

تَعَرَّفْتُ بـَــعْدَهَا عَلَى عَالمَِهِ .. نِمْتُ مَعَهُ فِي لَيَالِي البَرْدِ فِي الِخيَامِ .. جُعْتُ فِي الِحصَاِر مَعَهُ .. قَطَفْتُ الزَّيــْتُونَ فِي مَزَارِعِ جَدِّهِ..تَرَيـَّضتُ مَعَهُ فِي مَمَرَّاتِ الدِّفْلَى وَالبَنَفْسَجِ وَاليَاسَمِينِ وَفِي الحَدَائِقِ الكَنْعَانِيِّةِ الغَنَّاءِ .. شَرِبْتُ شَايَ أُمِّهِ الطَّيبَةِ .. عَلَّمَنِي الطِّعَانَ والنِّـزَالَ وَأَلــْقَمَنِي تُوتَ الشعْرِ الدرْويشِي وَحِكْمَةَ الـمَقْدِِسِيـِّيـنَ القُدَامَى وَلما اشتد مخلبي قَالَ لِي :

يَا أَيــَّهَا الـمُجَنَّدُ انــــْطَلِقْ

فِانـــْطَلــَقْتُ ..

وَعِنْدَمَا عُدتُّ لِعُشْبِيَ الأَوَّلِ تَجَمَّعَتْ حَوْلِيَ الأَرَانِبُ َكُنـــْتُ الأَسَدَ .. قُلــْتُ

( يَا مَعْشَرَ الأَرَانِبِ إِنَّكُمْ آسَادٌ ) ..

وَأَعَدتُّ الـمَقُولَةَ مَرَّة ً تلِْوَ الأُخْرَى .. وَمَعَ كُلِّ مَرَّة ٍ ازْدَادَ عَدَدُ الآسَادِ .. وَانْبَثَقَتِ الخَلايَا السِّرِيَّةُ ..وَاعْلَوْلَى الزَّئِيرُ .. وَكَانَتْ مَسِيرَة ٌ َتبِعَتْهَا مِئَات ٌ .. حَاوَلَ الثَّعَالِبُ إِيقَافَنَا وَلَكِنَّنَا أَحْبَطْنَا ُكلَّ مُـحَاوَلاتِهِمْ .. وَحِينَ كُنــْتُ أُلاقِيهِ قُرْبَ مُعَسْكَرِ الأَجْنَادِ فِي حِطّين كُنْتُ أَحْكِي لَهُ أَنْبَاءَ زَحْفِيَ الـمُطَهَّرِ .. كَانَ َيشَدُّ عَلَى يَدِي وَيــَقُولُ ( نَصْرُ اللهِ قَرِيب ٌ)

- 2 -

تَوَطَّدَتْ عِلاقَتِي بِالنَّاِصِر .. زَارَنِي ِفي قَرْيَتِي .. وَأَخْبَرَنِي ِبأَنـــَّهُ يَنْوِي إِتْمَامَ دِرَاسَتَهُ الجَامِعِيَّةَ ِفي المحروسةِ.. فَرِحْتُ وَقْتَهَا ِبهَذِهِ الخُطْوَةِ جِدًا لأَنــــَّهَا سَتُقَرِّبـُنِي مِنْهُ أَكْثَرَ.. تَعَدَّدَتْ ِزيَارَاتِي لَهُ طُوَالَ مُدَّةِ ِإقَامَتِهِ فِي ِمصْرَ .. إِلَى أَنْ أَخْبَرَنِي فَجْأَةً بِأَنَّهُ سَيَقْطَعُ دِرَاسَتَهُ وَسَيَعُودُ إِلى خَانِ يُوِنُسَ

َسأَلـــْتُهُ : هَلْ سَتَرْجعُ ثَانِيـــًا إلى المحروسة ..؟؟

قَالَ لِي : الأَمْرُ لَمْ يـتَّضِحْ بَعْدُ ..

َكانَ عَامِيَ الدرَاسِيُّ الأخِيرُ قَدْ انـــْـتـــَهَى .. وَكُنــْتُ أَبــْحَثُ َعنْ عَمَلٍ ِلي ..قَابَلْتُهُ وَهُوَ يَشْحَذُ سَيْفَهُ أَمَامَ خَيْمَتِهِ .. تَعَانَقْنَا .. قُلْتُ لَهُ :

- ادْعُ لِي أَيــَّهَا النَّاصِرُ

فَدَعَا قَائِلا ً : اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَخِي الـمُظَفَّرَ ..

وَعِنْدَمَا حَانَ الفِرَاقُ قَالَ لِي :

انْتَظِرْ .. أَعْلَمُ أَنَّ الحَيَاةَ خَارِجَ الجَامِعَةِ تَخْتَلِفُ عَنْ الحَيَاةِ الجَامِعِيَّةِ لَكِنَّنِي أَرْجُو أَنْ تَظَلَّ َكمَا أَنـــْتَ أَسَدًا

قُلْتُ لَهُ : أَعِدُكَ بِذَلِكَ ..

َربَّتَ عَلَى كَتِفِي قَائِلا ً : تَقَبَّلْ هَدِيــَّتِي..

وَأَخْرَجَ ِلي خُوْذَةً وَسَيْفًا وِلــِبَاسًا حَرْبِيًّا ..وَدَّعْتُهُ حَزِينًا وَفَتَحْتُ دُولابِيَ الفِضِّيَ وَحَفِظْتُ الهَدَاَيا ِفيهِ .. وَيــَبْدو أَنَّ اللهَ قَدِ اسْتَجَابَ لِدُعَاِئهِ سَرِيعًا حَيْثُ عُيِّنْتُ بَعْدَهَا بِيَوْمَيْنِ فِى وَظِيفَةٍ مَرْمُوقَةٍ بِإِحْدَى شَرِكَاتِ النفط ..

- 3 -

بَعْدَ عَمَلِي ظَلَّ رِفَاقِي وتَلامِيذِي آسَادُ الخَلايَا السِّرِيَّةِ يَتَّصِلُونَ بِي وَيُعَاتِبُونَنِي لأنني لم أعد أحضر اجتماعاتهم وَلَكِنَّنِي كُنْتُ أَعْتَذِرُ لهَـُمْ دَائِمًا مُتَعَلِّلا بِضِيقِ وَقْتِي وَبِمُرورِ الوقتِ انقطعت صِلاتِي بهم وَكُنْتُ أَرَى أَنَّ هَذِهِ القطيعةَ تناسبُ مركزي وظروفي الجديدةَ .. رآنِي أَحَدُهُمْ صُدْفَةً مُنْذُ عَامٍ فَقَالَ ِلي :

أَيـُّهَا الأسْتَاذُ لَـقــَدْ تَغَيَّرَتْ مَلامِحُكَ كَثِيرًا ..

وَحِينَ نَظَرْتُ فِي الـمَرَايَا تَيَقَّنْتُ مِنْ صِدْقِهِ .. فَأَنـــَا لَمْ أَعُدْ أَسَدًا وَلَمْ أَرْجِعْ كَمَا وَلَدَتْنِي أُمِّي أَرْنبَاً .. صُرْتُ كَائِنًا غَِريبًا يُخْرِجُ لِسَانَهُ وَيتَقَيَّأُ دَمَاً أَسْودًا بِطَرِيقَةٍ مُقَزِّزَةٍ.. فَزِعْتُ لِثَوَانٍ وَلَكِنَّنِي سرعَانَ ما تَقَبَّلْتُ الوَضْعَ الجَدِيدَ..َوكَانَ ذَلِكَ الصبَاحُ الحَزِينُ .. كَانَ الخَبَرُ مَكْتُوبًا فِي الصَفْحَةِ الأولى مِنَ الأهْرَامِ بِالخَطِّ العَرِيضِ (( اسْتِشْهَادُ أَحَدِ كَوَادِرِ الـمُقَاوَمَةِ فِي احْدَي الغَارَاتِ فَجْرَ اليَوْمِ ))َكاَنتْ صُوَرَةُ النَّاصِرِ جَلِيَّةً بِجِوَارِ الخَبَرِ.. أَصَابَنِي الدُّوَارُ..جَرَيــْتُ فِي الشوَارِعِ وَاشْتَرَيــْتُ كُلَّ الصُّحُفِ .. عُدتُّ وَأَغْلَقْتُ غُرْفَتِي .. بَحَثْتُ فِي مَوَاقِعِ الأخْبَارِ الالِكْتِرُونِيَّةِ .. تَابَعْتُ نَشَرَاتِ الأخْبَاِر .. اتَّصَلْتُ بِعَائِلَتِهِ .. بِأُمِّهِ الطَّيبَةِ.. بِأَصْدِقَائِهِ ..أَيـــُّهَا النَّاصِرُ ..كَيْفَ..؟؟

- 4 -

لــَــيْـلَتهَا أَخَذْتُ أُفَكِّرُ لِمَ كُلُّ هذا الحزنِ على النَّاصرِ.. لَقَدْ كُنْتُ نَسِيُتهُ تَمَامًا فِلمَاذَا عِنْدَمَا عَلِمْتُ بِوفَاتِهِ انْفَجَرَ طوفانُ النَّدَمِ في داخلي ..ولا أَعْلَمُ ساعتها مَا الذي أَوْحَى إِلَيَّ بِالاتصَالِ بِهَاتِفِ النَّاصِرِ الخلوي وكانت المفاجأةُ أنني وجدتُّ مَنْ يُرَحِّبُ بِي عَلَى الطرَفِ الآخَرِ قَاِئلاً :

- أَهْلاً يَا صَاحِبِي .. اشْتَقْتُ إِلَيْكَ كَثِيرًا

- مَنْ مَعِي ..؟؟

سَأَلـْتُ صَاحِبَ الصوْتِ وَأَنــَا مُنْدَهِش ٌ وَأَخَذْتُ أُتــَابِعُ الصَّوْتَ مُدَقِّقًا لَعَلَّ صَاحِبَهُ أَحَدُ مَعَارِفِ النَّاصِرِ لَكِنَّ الصَّوْتَ قَالَ لِي معاتبًا:

- مَاذَا أَلا تَعْرِفُنِي .. أَنــَا رَفِيقُكَ صَلاح ٌ أَبـُو شَامَةٍ ..

ِكدتُّ لـَحْظَـتَهَا أَنْ أُجَنَّ ..طَلــَبْتُ رُؤْيـَتَهُ عَبْرَ الـمِرْسَالِ الالِكْتِرُونِي ..وَ تَجَدَّدَت الـمُفَاجَأَةُ .. هَا هُوَ أَمَامِي .. نَفْسُ الوَجْهِ .. وَنَفْسُ الابـْتِسَامَةِ ..وَنَظَرًا لِغَرَابِةِ الـمَـوْقِفِ ظَنَنْتُ أَنـــَّنِي جُنِنْتُ .. وَلـَـمْ أُكْمِلْ حِوَاِري مَعَهُ وَلَـمْ أَسْأَلــْهُ عَنْ أَيِّ شَيءٍ.. وَكَانَ أَنْ عَرَضتُّ حَالَتِي عَلَى الـحُكَمَاِء السبْعَةِ .. وَكَانَ أَنْ أَعَدتُّ سُؤَالَ أَهْلهِ هُنَاكَ .. وَكَانِتِ النتِيجَةُ مَزِيدًا مِنَ الحَيرَةِ وَكَانَ الاستِنـْتَاجُ الذكِيُّ جُمْلَة ً وَاحِدَة ً (الحَرْبُ خُدْعَةٌ)

- 5 -

وَهَكَذَا وَلما عجزَ العقلُ عنِ الادراكِ عدتُّ إِلَيـْكَ ثَانِيـًا أَيــُّهَا الدولابُ الفِضِّي.. هَا هِي يَا مَحْمُودًا هَدَايَاهُ فِي مَكَانِهَا ..أَلـْبِـسُ اللبَاسَ الحَرْبيَ وَأَرْتَدِي الخُوْذَةَ وَأَحْمِلُ السيْفَ ..أَنـْــظُرُ فِي المَرَايَا (مَا زَالَ المَسْخُ الذي تَقَبَّلْـتُهُ يُخْرِجُ لِسَانَهُ لِي ) ..لا أَهْتَمُّ بِهِ..السَّيدَةُ العَنْكَبُوتِيةُ تَنْشُرُ لِي عَلَى صَفْحَةِ الحَاسُوبِ أَطْيَافَهَا ..لا أَهْتَمُّ بِهَا .. أَمْضِي إِلى مَغَارَةِ الدهْشَةِ عَاِرفاً مُتَسَلِّحًا بِأَحْرُفِي السِّرِيَّةِ

افْتَحْ َيا ِسمْسِمْ ..تُفْتَحُ الأبـــْوَابُ..أَحْبُو فَوْقَ الـمُويْجَاتِ الهلاميةِ ..أَصِلُ إِلَى مُعَسْكَرِ الأجْنَادِ ِفي حِطِّين..

- أَيـــَّها النَّاصِرُ أَيْنَ أَنْتَ ؟؟

يتَــَقَدَّمُ نَحْوِي خَارِجًا مِنَ الغُبَارِ جَوَاد ٌ جَامِحٌ يَتَرجَّلُ فَارِسُهُ المُلَثَّمُ وَيـقــُــولُ :

- كُنـْتُ عَلَى ثِقــَةٍ مِنْ عَوْدَتِكَ أَيــُّهَا المُظَفَّرُ ..

ثُمَّ يَنـْزِعُ لِثَامَهُ فَأَقُولُ مُنْدَهِشًا :

- كَيـْفَ ؟؟ .. أَأَنـــْتَ ..الـــــــ ..؟؟

يَضْحَكُ قَائِلا ً :

- رُبَّمَا .. أَوْ .. لَعَلَّهَا خُدْعَةٌ..

أَقُولُ:

- لتِــَكُنْ خُدْعَةً .. مَا أَجْمَلَ هَذِه ِالخُدْعَةَ..!!

السبت، 18 ديسمبر 2010

الصيحة


من قصائد البدايات التي فازت بجوائز ثقافية
القصيدة الحائزة على المركز الرابع في مسابقة مركز سعد زغلول الثقافي لعام 2004
(صيحة التيه )

مشهد ٌ بانورامي يبرز مظاهرا ً للدمار الناجم عن القصف ويستقر المشهد في النهاية على رجل ٍ بدوي ٍ تبدو عليه علامات التعب

يـَــا رفــاق اللــيل المــخيـف تـعـــالَوا
نـــهجــر النــوم نــسـلخ الأجــفــانا
فــالفــراش الــوثـــيـر مـل َّ رقـودي
ضـــاق بي بعد كــــل ما قــد كــانا
و مـعـيـن الأفـكـار مـل ارتـوائــي
بعــد أن اســكنوا بــه الثــعــبــانا
ونـســيــم الــغــرام غــادر بــيـتــي
بـــعــد أن ألـبسـوا الـهوى الأكفانا
وحــداء الأشــعـار صـار كـئيـبا ً
بـــعــد أن فــصَّــلوا لــه الأوزانـــا
يــا رفـــاقــي مــا عــاد عنـدي قـصيدٌ
جـف نبعي فغادروا الأغــصــانا
إنني قـــــد دفــنت دفــتــر شعــري
وجــعــلــت الـسـكـوت لــي ديوانا
فــإذا مــا ســمعتم اليــوم شــدوا ً
يجــرح الــقــلــب يـتعـب الألحانا
ورأيــتم وجــها ً لــطيـر ٍ يــغــنــــى
بــعــد أن مــزقــوا لــه الـشـريانا
فــاسمــعوا شــدوه الحــزيــن وهــيـــا
عـــانــقــوا فــي دمـائــه الأوطانا ..!!
(صيحة الغضب )
مشهد ٌ بانورامي ٌ يبدأ من الكعبة المشرفة ثم يبرز مظاهر الحج والحجيج إلى أن نرى صورة حمام الحمى وتثبت اللقطة على حمامة ٍ من الحمام وتبدو في عنقها قطرات ٌ من الدم
أيــها البــيــت المــزدهــي بــأريــــج ٍ
مـــن ريــاض الإيــمــان والأذكار
قــد أتتــك الــيــوم الـقلـوب تــلبـــى
خـــاشعــات ٍ والــدمـع كــالأنــهار
كـل قــلـب ٍ حــوى بـســاتـيـن عشــق ٍ
و دعــاء ٍ و لهـــــفة ٍ للــــبــاري
وأنــا مـن ؟؟.. أنــا حــمــامــة طهــر ٍ
جــئتــكـم فــي جمع ٍ من الأطـيار
لأغـــنــي للــطائفـيـن و ألـقـــى
رفـــقــة ً مـــن حمــائــم الأنــوار
يــا حــمــامـات ٍ فـي الحمى في أمان ٍ
أختكم جاءت رغم بطش الحـصار
عــلــها تـبـصـر الســلام لـديـــكـــــم
بــعــد أن قـيـدت بــأقــسـى إســـار
فــأنــا قـــصتــي حــكـايـة قــــلـب ٍ
ذاق بـــعــد الــهــنـاء كـأس المرار
وأنــا مـن ؟؟أنــا حـمـامـة مســـــرى
خــاتـــم المــرسـليــن لــلأقـــطـــار
فــي ربــوع الــقـدس الـعتيـقة أحـيـــا
فــي قـبـاب الأقـصى ترى أوكاري
كان صوت الفجر العــطوف أنـيسـي
والهــدى ألــحـاناً عـلى أوتـاري
كــان عــشـي ســجادةً مــن حـنـــان ٍ
فــيــه قــد غــنــت للـهوى أشعاري
كــنــت أحـظى بـعالـمٍ مــن وفـــــاء ٍ
عنــدمــا يـــأتــي صاحبي لصغاري
كــان يــهديـنـي طــوق وردٍ وفـــلٍ
ثـــم يــمضــى مــغــنــيـا ً للــنهــار
فجــأة ً جــاءت الأفــــاعــي لعـشـــي
قــتلـت فـرحـــتــي بــســم ٍ بـنــار
طرت كــي ألقــى منجدي وصديقـــي
لـم أر الصـاحب الـوفـي جــواري
قــتـلوا صـاحـبـي الـحنـون فـمـــن ذا
ســوف يــأتــى للـطير بالإفطار؟!
شــربـوا مــــن دمـاء أطفـالـــــنا داســـوا عـــلـــى الحـلــم فــي جـمـيـع الـديـار
يــا طـيـور الـحـمى سمـعتم شجونـي
وعرفتم حزني وطول اصطباري
بــيــد أن الــحجـيج ينـسون جـرحـى
ويــطــوفــون دون أدنــى اعــتبار
يــا حــجيج الـبيت الــحرام أفـيقــــوا
ولتــفــيقـي يـا أمــة المـلــيـــــــار
كــيف لا تسمــــعون صوت اليتامى
ونــداء ً مــن كـعبـة الأطــهــار
إن نــور المـسرى كنــور الصفا أو
كــضيــاء ٍ مــن مـسجـد المـختـار
يــــا جـــموع الحــجيج هـــلا قبستم
جــذوة ً مـن مـشـاعـل الـثـــوار
يـــا ضيوف الرحــمن هــلا جمعتم
جــيشــكم مـن عـشـاقـنـا الأبــرار
يــا جــموع الحــجيج هل قد سمعتم
صــرخـاتـي فــي سائر الأمصار
أن أطيحوا بكــــل وغــــدٍ حــقـــير ٍ
وأزيـلــوا عــصـابــة الأشـــرار
كي يعود الفجر الوضىء لأرضــى
وتــعـود الـعــطــور لـلأزهـــــار
ولتــكـن حِـــجــة العــزائـم فـيكــــم
مــرجــلاً يــذكى غــضبة الأحرار
قــد قــضى ربـنا العــظيم قــضـــاء ً
أن في وحدة الصفوف انتصاري
وختاما ً ( صيحة الخلود )
لقطة ٌ مكبرة ٌ للرجل البدوي وقد ارتدى ثيابا ً بيضاء وعلى وجهة ابتسامة ٌ ملائكية ٌ وفي يده بندقية
يــا حــبــيبي أنــت الـهـوى الأزلـي
والـــهوى إكـليـلي وإكـسير حسي
قــد ســكنـت الفــؤاد قـبل وجـــودي
وسـكبـت الحـيـاة شـهـدا ً بـكــأسي
كـيـف ظـن الحــسـود يوما ً زوالا ً
لــغــرام ٍ مـا بـين نـفسـي ونفسي
هـل رأى الشيطان اللعين احتـراقـي
لا وربــي .. ولن يرى غير بأسى
يـا حـبـيب الـروح الأثــير ستــحـيا
رغم غدر الزمان بدري وشـمسي
سوف نبقى في الأرض قنديل حسن ٍ
كــلـما لاحـت بـشرياتٌ لـعــرس
وخــتاما ً ألــقاك في ظــل ربـــى
فــي جـنان ٍ مـن أغنـيات ٍ وأنـس ..!!
صيف 2003